بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله (عزّ وجلّ): (ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء).
ماذا نقول في الحديث عن الإمام الصادق(صلوات الله وسلامه عليه) لان المتأمل في واقع الحال يرى أن الحديث عن الإمام الصادق هو الحديث عن النبي(صلوات الله وسلامه عليه) وهو الحديث عن أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو الحديث عن الأئمة(عليهم السلام) واحداً بعد واحد، لأنهم نور واحد وعلمهم واحد وتعاليمهم واحدة، والأمر الذي يتنبه له الباحث المتروّي أن ما جاء به الإمام الصادق(عليه السلام) روي بعينه عن النبي(صلوات الله وسلامه عليه)، إلا أن الفترات المظلمة هي التي ضيعت الحقيقة، فكانت وظيفة الأئمة بعد النبي(صلوات الله وسلامه عليه) تجلية تلك الحقيقة وإيضاحها وبيانها ليس إلا، وليس لهم أن يزيدوا، وليس لهم أن ينقصوا، ولا تتبدل المفاهيم مهما تبدّلت الحوادث والظروف وتنوعت المشاكل والمحن، وليست وظيفة الأئمة(عليهم السلام) إلاّ استثمار الفرص من أجل إيضاح تلك الحقيقة الناصعة التي طرأ عليها الغموض نتيجة فعل الظالمين وأعداء الدين، ولو أن النبي(صلوات الله وسلامه عليه) بقيت تعاليمه ولم يتعمد الظالمون طمسها لما كان للإمام الصادق(عليه السلام) ذلك الظهور، وإنما ظهر (صلوات الله وسلامه عليه) وتميز بان الفترة التي قضاها فترة بين دولتين ضعفت فيها السلطة الجائرة مما تسنى للإمام الصادق(عليه السلام) أن ينشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، الذي هو عين الإسلام الاصيل، فليس للإمام الصادق(عليه السلام) إلا تجلية الحقيقة بعد أن أخفاها الظالمون، ولا ينبغي القول أننا نراه هو المجدد للمذهب أو أنه هو صاحب المذهب، لان المذهب مذهب النبي(صلوات الله وسلامه عليه)، هذه الحقيقة التي ينبغي أن تتجلى وتتضح لكل المسلمين، وهذا أمر لا ينبغي إغفاله، وأنا أتكلم تكلم فاحص ناظر أرى أن المفاهيم والتعاليم التي وردت عن الإمام الصادق أو عن الإمام الباقر أو عن الإمام الكاظم(عليه السلام) قد وردت عن النبي(صلوات الله وسلامه عليه) ثم اختفت، ووردت عن أمير المؤمنين(عليه السلام) ثم اختفت نتيجة الضغوط التي حدثت بعد ذلك، ثم ظهرت عن الإمامين الباقر والصادق صلوات الله عليهم، وعلى ذلك حيث انتهت عصور الأئمة(عليهم السلام).
ومعنى ذلك ان الحقيقة ـ التي ليس للأئمة وظيفة إلا إظهارها ـ هي حقيقة واحدة وهي التي جاء بها النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم).
الأئمة(عليهم السلام) ينقلون الحقيقة عن جلاء ووضوح بلا تحريف ولا تغيير ولا تبديل، هذا الشيء الذي يتميز به الأئمة(عليهم السلام) عن بقية أئمة وعلماء المذاهب الأُخرى ؛ لأنهم يبلغون عن قطع ويقين وعن تعاليم حرفية مثبتة لا تتغير ولا تتبدل، فنحن إذ نتكلم عن الإمام الصادق(عليه السلام) يعني نتكلم عن بقية المعصومين صلوات الله عليهم، غايته فترة الإظهار التي تميز بها كانت أكثر من بقية المعصومين(عليهم السلام)، (وهناك قضية تعتبر مهمة ذلك اليوم فالإنسان المتحدّث عن النبي وليس بينه وبين النبي ما يقرب مائة عام مثلا أو ثمانين عام ومع هذا هو صلوات الله عليه يحدث فلا يقال له: من حدثك، لأنه معلوم ان حديثه مضبوط وصادق لا يتغيّر ولا يتبدل )، روى سالم بن أبي حفصة، قال: لما هلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قلت لأصحابي انتظروني حتى أدخل على أبي عبدالله جعفر بن محمد فأُعزيه، فدخلت عليه فعزيته ثم قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب والله من كان يقول: قال رسول الله، فلا يسأل عمن بينه وبين رسول الله، لا والله لا يرى مثله أبداً،قال: فسكت أبو عبد الله ساعة، ثمّ قال ؛ قال الله عز وجل: أن من يتصدق بشق تمرة فأربيها له كما يربي أحدكم فلوه حتى اجعلها مثل أحد، فخرجت الى اصحابي فقلت: ما رأيت اعجب من هذا، كنا نستعظم قول أبي جعفر: قال رسول الله بلا واسطة، فقال لي ابو عبد الله: قال الله عز وجل بلا واسطة.
فالقضية كلها حقيقة واحدة غاية الأمر أن هؤلاء الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم يأخذونها صافية ويحافظون عليها وينشروها، الإمام الصادق(عليه السلام) تميز بهذه القضية أكثر، لأنه في هذه الفترة مدّ الله عمره الشريف ليناسب عمره الفترة الواقعة بين الدولتين، فقام بنشر علوم أهل البيت(عليهم السلام) هذا النشر الذي سمي المذهب باسمه، فالمذهب يسمى باسم الإمام الصادق(عليه السلام) لكن الحقيقة أن المذهب مذهب النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو كلمة الله التي ضرب المثل في الحقيقة لها: (ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء).
وهذا الشيء الذي ينبغي أن يعلم، وهذا المعنى لم يذكره غير الشيعة، فبقية المذاهب لا يرون بالأئمة هذا الشيء الذي نراه فيهم، فهم يرونهم ناس مجتهدين لهم آرائهم وكأنهم أهل آراء.
وبعد انتهاء عصر الغيبة ووقوع المسؤولية على علماء الطائفة ـ رضوان الله عليهم وجزاهم الله خير جزاء المحسنين – تميزوا بأنهم اهتموا بالحفاظ على حرفية التشريع، فالمجتهد بنظر بقية الطوائف الاخرى هو الذي يستطيع أن يأقلم الاحكام على ما يناسب الحاجة وعلى ما ينسجم مع المجتمع، أما المجتهد عندنا فهو الذي يحافظ على حرفية التشريع ـ طبيعي حسب اجتهاده ـ لئلا يحدث تحريف بالتشريع، هذه هي وظيفة المجتهد، ويبقى المجتهدون على هذه الحقيقة جيلاً بعد جيل والاهتمام بها، هذا الشيء الذي ينبغي أن يعرف عن المجتهدين، فليس معنى الاجتهاد ان الشيعة يفتحون باب الاجتهاد و معنى ذلك ان التشريع مرن بنحو يناسب أو يتناسب مع الظروف، ويتبدل نتيجة الحاجة أو نتيجة شيء آخر، وانما معنى ذلك هو الحفاظ على حرفية التشريع غاية ما في الأمر هو الاهتمام بتطبيق هذا التشريع على الواقع القائم، هذا الشيء الذي عليه مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وعليه شيعتهم جيلاً بعد جيل، أنا شخصياً مما جرى الحديث بيني وبين بعض المثقفين وشرحت لهم هذه الحقيقة، وكانت هذه القضية ثقيلة في أن المجتهد ليس له حق أن يأقلم الحكم على ما يناسب المجتمع وانما يحافظ على حرفية التشريع، فقلت لهم نحن نفتخر بهذه القضية ونعتزّ بها، و لا تتصوروا أننا عندما نحافظ على حرفية التشريع نحن جامدون، سبب حفاظنا على حرفية التشريع هو أننا أُمناء، نحن ناس أهل أمانة ومسؤلون أمام الله تبارك وتعالى، وعندما يسألنا الله عز وجل عن هذه الحقيقة وكيف بينتموها للناس ؟ نقول اننا حافظنا على الأمانة وأوصلناها بحرفيتها وحدودها، وليس نحن في مقام أن نحرّف الحكم حتّى نرضي بعض الناس وتحقيق مصالحهم ورغباتهم، أما بقية فرق المسلمين وغيرهم فهم يتلاعبون بالتشريع على ما يناسب الوضع القائم كيف تترتب الأمور فهم يرتبون الأمور، فنحن أدينا الوظيفة وحسابكم على الله، فوظيفة الفقهاء ـ الذين هم تبعا ًللأئمة صلوات الله عليهم وساروا على نهجهم ـ نفس وظيفة الأئمة، إلا أن وظيفة الأئمة(عليهم السلام) نقل الحكم على نحو القطع واليقين لأنهم يأخذونه بحرفيته عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، أما الفقهاء فباعتبار أن البلاء الذي وقع على أحاديث الأئمة (عليهم السلام)، وما أُبتليت به من طول المدة، جعلهم يحاولون أن يجتهدوا، وابتلاء الفقهاء بالاجتهاد ليس إلا لاختلافهم في تحقيق تلك الحقيقة على حرفيتها، فاللازم أن يعرف أن الأهمية العظمى التي يحملها الفقهاء هو حفظ الأمانة من أجل أن يؤدوها وليس الأهمية العظمى التي يحملها الفقهاء هو تأقلم الدين والاحكام الشرعية مع المجتمع.
هذا المعنى الذي تمتاز به هذه الطائفة عن بقية الطوائف، فما تمتاز به الطائفة هو الحفاظ على شريعة الله وشريعة النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) التي بلغها ـ طبعاً بمقدار جهدهم ـ فإذا أخطأوا فالله يعذرهم لأنهم لم يتعمدوا الخطأ، اما بقية المذاهب أو بقية الأديان فالتشريعات فيها تختلف نتيجة اختلاف الاحداث كحاجة المجتمع مثلاً، و تتبدل التشريعات وكأن لهم حق التشريع، وأنا أذكر قضية تكررت عندي مع بعض الأشخاص فيأتي ويقول: عندي مشكلة، وهي أن هذا الحكم لا يتأقلم معنا و لا يمكن ان نعيش به ويصعب علينا ان ندبر أمورنا مع القضية الشرعية، فقلت له: يا أخي أقول لك شيء أنت تعصي الله وثمّ تتوب أفضل من أن احرّف الحكم، أنا ابقى احافظ على الحكم وأنت مع الله بينك وبين الله تعرف تكليفك تريد ا ن تطيع الله أطع تريد ان تعصي الله اعصي، وهذا هو موقف أهل البيت صلوات الله عليهم وموقف شيعتهم من بعدهم وموقف فقهائهم من بعدهم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسددنا جميعاً.
ولا يخفى أن على عوام الشيعة أن يهتموا ويصلوا للحكم عن طريق الأُمناء، وليس من أي طريق كان فلا يستأنسون بالشخص الذي يتساهل بالأحكام، فالإنسان الذي يتساهل بالأحكام أو يستأنس بالشخص الذي يدير الأمور على ما يريد، فهذا بالحقيقة يريد ان يتبع الحق أهوائه (ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن …)، الحق حق لا يتبع الأهواء.
وفي ختام هذا الحديث من المناسبة أن نذكر رواية: روى أبو بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزيها بابي عبد الله(عليه السلام)، فبكت وبكيت لبكائها،ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت ابا عبد الله عند الموت لرأيت عجبا، فتح عينيه ثم قال: اجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك أحدا الا جمعناه، ثم قالت: فنظر إليهم ثم قال: ان شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة.
فعلى الشيعة ـ حفظهم الله تعالى ـ الاهتمام الكبير بهذه المسألة، وليس معنى الاستخفاف بالصلاة تركها، بل الحفاظ على حدودها، والاهتمام بها وبأوقاتها.
نسأل الله ان يوفقنا وإياكم لحفظ الأمانة وأداؤها والقيام بالواجب على أتم وجه، وأن يرزقنا شفاعتهم(عليهم السلام) ويجعلنا من السائرين في خطهم والمنتهجين منهجهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
