الشاعر الكبير( عبدالحسين أبو شبع) ما زال حيا بأثره الخالد الجميل
(السير في طريق اهل البيت )
الكثير من رجال الادب الشعبي الذين نبغوا في هذا المضمار والذين مارسوا كل فنونه وابدعوا فيه وتركوا للناس حرفا يضيء لهم الدرب تبقى ذكراهم عطرة واسماؤهم خالدة ولامعة كالنجوم
فمن من شعرائنا اليوم ومحبي ومتذوقي هذا الادب وكل سائر الناس في مجتمعنا اليوم.. من لم يسمع بالشاعر الكبير الخالد عبدالحسين ابو شبع الشاعر الوطني الذي حفظت قصائده كل الطبقات وتتردد على كل لسان حتى هذه الساعة..
نشأته
ولد العام 1917 في بيئته النجفية الخصبة المعطاء للادب والشعر.. انغرس حبه للادب الشعبي ولا يتجاوز عمره الـ13 عاما فبرز بين فطاحل الشعراء لكونه متوقد الذكاء.. حتى اشاد به امير الشعراء عبود غفلة (بانه سيكون له شأن كبير وفعال في المجتمع) على حد تعبيره.
وفعلا تفتحت اكمام شاعريته فراح يقرض الشعر باغراضه وفنونه الشعرية حتى اصبح نموذجا متميزا بين اقرانه بتجديد افكاره اولا ولكونه ذا مقدرة على محاكاة الناس من خلال كتابته الشعرية المعبرة عن ملامح الواقع الذي يعيشه ثانيا فهنا نلاحظه معبرا من خلال تجربته الحياتية تعالج الكثير من القضايا الاجتماعية وعكس في كتاباته مظاهر الواقع العام.. وكأنه يعيش اليوم:
بعض البشر عالتواف تركض ابحلها
ما تدري يكضي الزمان او محد ابحلها
ظلت تقامر بعدهم تحلم ابحلها
طايش ابن ادم يحزب ما يجي بعمره
للخير ما يهتدي ابحجه ولا ابعمره
هذي نتيجة جميع اليفشل ابعمره
يشغل الناس بمشاكل تعجز ابحلها
فعبد الحسين ابو شبع يؤكد ان الشاعر الشعبي مرآة بيئته.. ينصح ويوجه من خلال كتاباته في تجربته الحياتية التي خاضها ويخوضها مع عامة الناس كما نلاحظ.. في كتابته في هذا الزهيري الذي ينتقد فيه بعض الحالات المذمومة في مجتمعنا:
اتذكر اسنين من عمري خساره فتن
وظلت الحسبات تضهدني لحيلي فتن
جن الشرايع جميع بسكم حالي فتن
جيما على ظهور اشرار البرية نحس
يجعلوك انت البليد وكالوا احنه نحس
تعتزل عن البشر معتزل كالوا نحس
لو عاشرت تبتلي يا ويلك من الفتن
اسلوب خاص ومتميز
كان شاعرا شعبيا جمع في اسلوبه الرقة والمتانة فله اسلوبه الخاص ونهجه المستقل وطابعه المتميز عن بقية شعراء عصره.. ذو اسلوب جميل.. وذو افاق واسعة.. يتدفق شعره كالسيل استطاع ان يبلور اسلوبه بوعي شعري متقدم في الاغراض الشعرية ضمن الحدود الذي يعرفها معرفة اكيدة كما في هذه الابوذية:
انوحن على الاخذ كلبي وفر بيه
وشفته على الجمر حطه وفر بيه
ليش الاضحك بوجهه وفر بيه
يخلي بالظهر طعنات بيه
ونقرأ كما في هذه الابوذية الجميلة المدورة كما عرف بها ابو شبع:
ما ظن استقر الكلب بل لاب
ومن ناده النداء اهذيت بل لاب
مسكت انه القشور ومسك بل لاب
غيري وفاز بالدنيه الزهيه
قابلياته الأدبية
وثقافته الشعرية
كان من ابرز الشباب انذاك متمتعا بالقابلية الادبية وذا ارضية ثقافية شعرية بكونه كان يعيش في عائلة شعرية في بيت عمه الشاعر الكبير ابراهيم ابو شبع بعد ان تتلمذ على يده ونهل من منهله العذب والرائع فكان رمزا للعطاء الزاخر في مدن الفرات خاصة والبلاد عامة كان ينشد ارق الشعر في الرثاء فهو عطاء لا ينضب في هذا الميدان لكون ملحمة الطف المروعة فجرت قرائح الشعراء في المدن العراقية.. فمن هذه المدن (النجف) هذه المدينة التي انجبت فطاحل الشعراء ولم تزل ترفد الساحة الشعرية فيها ظهر شعراء حيث صوروا ما دار في هذه الواقعة المؤلمة لاحداثها باستشهاد الحسين وصحبه الميامين. فشاعرنا (ابو شبع).. واحد من الشعراء الافذاذ الذين اشتهروا بكثرة كتابة القصيدة الرثائية كغيره من بقية شعراء عصره.. فابدع وبرز شاعراً شعبيا له اسلوبه الخاص فكان مصورا بارعا لتلك الاحداث فكان ينشد ارق الشعر في الرثاء تمتاز كل كتاباته باللوعة والحزن والشجن:
هاي المظلومة اتنادي
يا بويه خيل ونار
والخيل اسحك بينه
والنار اتشب اعلينه
يا بويه خيل ونار
عطاء لا ينضب
فهو ينبوع لا ينضب لم يترك بابا من ابواب الشعر الشعبي العراقي ما لم يطرقه فباب الابوذية من الفنون الذي ابدع واجاد فيها فيجد القارئ لذة كبيرة في تجسيده للمثل الشعبي ا لعراقي بقوله:
يكلبي بيش اجبرتك ولحماك
ولا واحد شكف دونك ولحماك
يجيك الضيم من دمك ولحماك
عكب طيبك يجازوك برديه
وحين ينظم الشاعر في تجسيد المثل فيه يبذل كل ما عنده في كل الفنون وهذا ما لاحظناه عند (ابو شبع) في ابوذياته ودارمياته وزهيرياته وهنا يرسم لنا صوراً واضحة في هذا الزهيري:
لو ما اعرفج بشر من صلب ابا وجد
جاكلت ظبيا علاماتج عيون وجد
خليني يمج اتيه بغزل شاعر وجد
يا عذب ماي الحياة ابشوك راويني
للحب روايه صرت للناس راويني
بجامعة حبج ادروس ادرست روايني
نسبة نجاح الدراسة المثل من جد وجد
فشاعرنا ابو شبع ذو رقة عجيبة وذوق سليم.. انه مدرسة شعرية متكاملة الجوانب لكل الاجيال من بعده كان مليحا ظريفا حاضر البديهية يجعل كل كلامه شعرا.. لا يمر يوم الا وقال فيه شعرا فعند زيارته العاصمة الحبيبة بغداد في منتصف سبعينيات القرن الماضي شاءت رغبته ان يتجول في (اليخت) بنهر دجلة الخالد فكان اليخت يجمع مختلف الاجناس من النساء والرجال والاولاد والشيوخ فعند مسير اليخت في النهر وفي تلك الاجواء الساحرة وساعة كانت من نفحات الف ليلة وليلة واذا تفتحت قريحة شاعرنا العاشق اللطيف وهو يدير مسبحته ويردد ويقول لذلك المنظر الجميل الذي تزاحمت فيه الوجوه الجميلة.
مدري الشوك هيجنه لجنه
وحسبات اليعذبنه لجنه
ليخت يجري بنهر دجلة لجنه
ولدان وحواريهه سويه
بعدها يلوم نفسه وينتقدها بسخرية ويختم سفرته بهذا البيت من الدارمي قائلا:
يخت يمشي بنهر دجلة يخايب
لوجنه ما ظليت بيه يشايب
- شاعر الوجد والعشاق
اشهر اعلام عصره انذاك انه شاعر الوجد والعشاق اشتهر بقصائده الجميلة في شتى المجالات وذلك لسعة اطلاعه في الجوانب الحياتية التي عاشها منذ نشأته حتى وفاته فكتاباته مليئة بالصور الرائعة المترفة فيها معاناة انسانية نظيفة تحمل وجهة نظر الشاعر للحياة في قصائده الاجتماعية والسياسية والغرامية فكانت كلها تحمل حباً ولوعة وحنينا للحبيب الغائب الذي احمله هما ثقيلا:
يولفي عود من عيناي
طفي نار البجبدي
ما تنطفي بكل الماي
جي تستعر من وجدي
خفك كلبي ابجناحنه
كبل ما تهمل دموعي
وراد يطير بشواكه
وفز ولزمته اضلوعي
ناديته يكلبي هيد
وساعدني عله موضوعي
يكلي اشلون اهيد اشلون
وجرح افراكهم يدي.. الى آخر القصيدة
فهنا يبدأ اكثر عمقا ويعبر عن حب صادق.. ووصف صادق.. الذي يكمن في روحه العاشقة الولهانة حتى ايامه الاخيرة من حياته..
خل يمشي بخيال اهواي ما راح
وردت يريحني بدنياي ما راح
راح العمر بس الذوق ما راح
انه لساه بعد روحي طريه
التجربة الغنائية
لم تقتصر تجربته الشعرية في كتابته القصائد والموالات والابوذيات بل تعداها وابدع في مجال الشعر الغنائي الذي هو اساس كل اغنية والسبب المهم في انجاحها فكتب الكثير من الاغاني منها اغنيته الخالدة ذائعة الصيت والتي اداها الفنان الكبير ياس خضر:
ارحم دليلي.. واشفي غليلي
يا ولفي انوح اعليك.. اسمع ونيني
وكذلك في اغنيته الراقية والتي ترددت على شفاه اكثر مطربينا ومطرباتنا الريفيات والتي قام بتلحينها الفنان صباح زيارة
كتلك ولك عالباب دليني
لا وين مكصودك توديني
لا وين ما ادري
يالتيهت فكري
كلمة العدله.. يخي حاجيني
والكثير من الاغاني التي يعرفها بعض من مريدي الشاعر ابو شبع منها (حبيبي) والتي لحنها الفنان الراحل كاظم الخطيب واداها الفنان سمير معله صاحب الصوت العذب الذي لم يحالفه الحظ بالظهور على الساحة الغنائية في فترة السبعينيات والتي تقول كلماتها:
حبيبي لا تعذبني
احبك لازم تحبني
وحك شفافك الحلوات
عليهن ألطف البسمات
ما ذبك ابو هيهات
وحبيبي انته متذبني
- رحيله
في 1/29/1980رحل رحلته الابدية فبرحيله افتقد ادبنا الشعبي العراقي شاعرا مبدعا.. فبرغم غيابه لكنه بقي حاضرا خالدا بيننا.. فما زال حيا بارثه الخالد الجميل
إعداد :- الشاعر وخادم أهل البيت( زيد الجزائري ألنجفي)